المقالات

Share
2/8/2021

أُمَّة لا تحتفي بالهزيمة

«التاريخ يكتبه المنتصرون ».. عبارةٌ نشأنا عليها، وردَّدها المنتصرون عبر التاريخ لقرون طويلة، وتعلَّل بها المهزومون وهم يدافعون عن ماضيهم، لكن ماذا لو أُتِيحَ للمهزومين كتابة التاريخ؟ ما الذي سيتغيَّر؟

لِنَقِفْ عند منهجية بناء السرد الذي سيسلكه المهزوم فى إعادة كتابته للتاريخ وعرضه، لن يضيف لنا الكثير ظهور معلومات جديدة ربما من تحقيق مخطوطة، أو اكتشاف أثري، أو حتى دراسة تُعمِّق فهمنا للحقيقة التاريخية؛ فالإضافة محصورة -إلى حد كبير- فى مشروع إعادة الاعتبار الذاتي للمهزوم عبر بناء سردي شعبوي يكشف هُويَّاتنا المتصورة، ويتجاهل عمداً التفاصيل التي لا تتناسب معنا.

لتتشكل الذاكرة الشعبوية للتراث فى شكل قصص متشابكة نستخدمها لشرح مَنْ نحن كأمَّة الآن، وليس كيف كنا فى الماضي، ومن ثَمَّ نُسقط عامل الزمن. قرأنا مرة عن جيش انهزم فى إحدى المعارك فاقداً نصف جنوده، وبينما قائد الجيش يعود أدراجه مُولِّياً يمرُّ بعُشِّ حمامة ترقد على بيضها، فيغير طريق جنوده حتى لا يروع الحمامة! بقيت تلك القصة فى الذاكرة الشعبية، ونسي الناس قصص الشهداء والجرحى.

منهج آخر يتبعه المنهزمون يتمثل فى التشكيك بالقصص التي يرويها المنتصر عن نفسه، لتتحول القضية إلى صراع هويات بين المهزوم والمنتصر، حتى لو كانت رواية المنتصر للتاريخ صحيحة تماماً، فلن تُقبل ولن نأخذها بعين الاعتبار.

يحتاج المهزوم إلى وقفة صادقة مع ذاته لإصدار نسخة جديدة؛ فإعادة كتابة التاريخ هي هزيمة أخرى تَدُّ من قدرتنا على التعلُّم من الماضي، ومن ثمَّ تتكرَّر الهزائم فى كل معركة نواجهها اليوم. لم يَحْتَفِ النص القرآني بالهزيمة فقط، بل دعا المهزوم إلى تحليل أسباب هزيمته والتفكير فيها، باعتبارها جاءت لثغرات فى منهجه وليس فقط بسبب قوة الخصم، وانظر إلى غزوة أُحُد نموذجاً ضمن نماذج كثيرة تحدَّث الله -تعالى- عنها فى كتابه الكريم.

فقد وجَّه الله -جل وعلا- خطابه للمهزومين فى أُحُد قائلاً: «أوََلاََّ أصََابتَْكمُْ مُصِيبَة قدَْ أصََبْتُمْ مِثْليَْهَا قلُتُْمْ أنََّى هَذَا قلُْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ». وهذه دعوة صريحة لتقبُّل الهزيمة وتحليلها جيداً، بعيداً عن سياقات المواساة، والجنوح بالحكمة نحو التعافى عبر استخلاص الدروس من الهزيمة والمضُي قدماً دون التعلُّق بأمجاد الماضي. أردت، عبر هذه الافتتاحية، فى العدد الأول من المجلة التي يصدرها مجلس حكماء المسلمين، إلى التأكيد على اتِّباع منهج أصيل لا يستحي من الهزيمة، ولا يؤول نصوص الماضي ليجعله أجمل، بل يواجه الزمن وحقائقه الجديدة بحكمة وتواضع.

ذات صلة

المقالات

نشرتنا البريدية